بقلم هدى الشريف
تحت سماء الخليج الصافية، حيث تلتقي حكمة الماضي بابتكارات المستقبل، تُنسج المدن الذكية لوحة فريدة تجعل من التكنولوجيا جسراً بين الإنسان والطبيعة. ففي عام 2024، كشفت دراسة “كلايمت سكوب” أن 67% من مشاريع السياحة الخليجية تدمج حلولاً ذكية لخفض الانبعاثات، متقدمةً بفارق ملحوظ على المتوسط العالمي الذي لم يتجاوز 42%. هذه النقلة النوعية لم تكن وليدة الصدفة، بل ثمرة رؤى استباقية تضع الاستدامة في صلب التطور السياحي.
تتصدر الإمارات هذا التحول عبر مبادرات طموحة مثل “سياحة بلا بصمة كربونية 2030” في دبي، حيث تعمل 5,000 مستشعر ذكي على مراقبة استهلاك الطاقة في 132 فندقاً مستداماً. وفي أبوظبي، تتحول “مدينة مصدر” إلى أيقونة عالمية بفضل أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تستخلص 40% من مياه الري مباشرة من الرطوبة الجوية، بينما نجحت “إكسبو دبي” في تحويل 85% من نفاياته إلى طاقة متجددة.
عبر الخليج، تزدهر نماذج مدهشة للتكامل التكنولوجي البيئي. ففي نيوم السعودية، تراقب طائرات الدرونز الذكية صحة الشعاب المرجانية وتعيد زراعة 5 ملايين بذرة مرجانية سنوياً، بينما أذهلت عُمان العالم بنظام “الغواص الذكي” في محافظة مسندم الذي يوجه القوارب السياحية تلقائياً لمناطق الغوص الأمثل، مخفضاً الاصطدام بالشعاب 90%. أما البحرين، فحولت محمية “توبلي” مستنقعاتها إلى نموذج رائد باستخدام خوارزميات تنبؤية بدقة 98% لمواسم هجرة الطيور، وفقاً لتقرير “بيردلايف” الدولي.
وتعزز الإمارات هذا التكامل الإقليمي عبر مبادرة “الشبكة الخليجية الخضراء” التي تربط قاعدة بيانات موحدة للأنواع المهددة بالانقراض مع منصة “نخيل” التحليلية، بينما ينسق تطبيق “مسارات” السعودي رحلات سياحية منخفضة الانبعاثات. وقد أثمر هذا التعاون عن إنجازات ملموسة: خفضت دبي استهلاك المياه في الفنادق 22% عبر أنظمة الري الذكية، وقلصت السعودية النفايات البلاستيكية في البحر الأحمر 70% باستخدام تقنية “بلو بلوك تشين”، بينما سجلت عُمان أعلى نمو للسياحة البيئية في المنطقة (+35%) بعد ربط محمياتها بتطبيق “جبل شمس الذكي”.
أصبحت المدن الذكية في عصرنا هذا كيانات حية تتناغم مع إيقاع الطبيعة، و لغة حوار جديدة مع الأرض، تحول كل مستشعر إلى حارس للتراث البيئي، وكل خوارزمية إلى قصيدة حب للطبيعة. وهكذا تثبت المنطقة أن الرفاهية السياحية والمسؤولية البيئية ليسا نقيضين، بل وجهين لعملة واحدة اسمها “المستقبل”.