كتب: سامي المنصور
تشهد أوروبا تزايداً ملحوظاً في عدد المسافرين الذين يختارون استكشاف القارة عبر الدراجات الهوائية، باعتمادهم على شكل جديد من السفر المستدام يجمع بين المغامرة والوعي البيئي. فرياضة التحمل، التي كانت يوماً حكراً على المحترفين، أصبحت الآن وسيلة تنقل شعبية ومتصاعدة، بالتزامن مع ارتفاع الوعي الأوروبي بأهمية الاستدامة.
وفقاً للاتحاد الأوروبي لراكبي الدراجات (ECF)، تُسجل سياحة ركوب الدراجات ما يقارب 2.3 مليار رحلة سنوياً في دول الاتحاد الأوروبي، متنوعة بين جولات متعددة الأيام ورحلات استكشافية على ضفاف الأنهار، متجاوزةً الاستخدام التقليدي للدراجة كوسيلة نقل داخل المدن.
وفي اليوم العالمي للدراجات (3 يونيو)، تبرز هذه اللحظة كفرصة مثالية لاحتضان شكل سفرٍ لا يعزز رفاهية الفرد فحسب، بل ينعكس إيجاباً على صحة الكوكب.
ورغم كون الدراجة جزءاً أصيلاً من الهوية الأوروبية (كما في سباقات “طواف فرنسا” و”جيرو دي إيطاليا” و”لا فويلتا إسبانيا”)، فإن الطفرة الحالية في سياحة الدراجات تتجاوز السباقات الاحترافية إلى المسافرين العاديين، الذين يفضّلون الطرق البانورامية الهادئة لاكتشاف القرى والمدن الأوروبية بطريقة بطيئة وممتعة وصديقة للبيئة.
هذا الانتعاش يحمل أثراً اقتصادياً كبيراً؛ إذ تُدرّ سياحة الدراجات أكثر من 44 مليار يورو سنوياً، وتدعم آلاف المشاريع الصغيرة (مثل دور الضيافة الريفية ومحلات تصليح وتأجير الدراجات)، كما تنقل السياحة بعيداً عن المناطق المزدحمة، ما يعزز الدخل في المناطق الريفية والموسمية.
إضافة إلى الفوائد الاقتصادية، تحقق سياحة الدراجات مكاسب غير مباشرة كتعزيز الصحة البدنية والعقلية، وخفض الانبعاثات، والمساهمة في أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة كالوصول العادل إلى وسائل النقل.
في صميم هذه الثورة، يبرز مشروع EuroVelo؛ الشبكة القارية لطرق الدراجات طويلة المدى، المصممة لتعزيز السفر المستدام وربط أوروبا بمسارات تمتد آلاف الكيلومترات.
عند اكتمالها، ستصل الشبكة إلى نحو 61,000 كيلومتر موزعة على 17 طريقاً مميزاً (معظمها طرق مخصصة أو منخفضة الحركة). وحتى 2023، نُفذ منها أكثر من 56,000 كيلومتر*.
أبرز هذه الطرق:
– EuroVelo 1 (طريق الساحل الأطلسي): يمتد 10,600 كم من شمال النرويج إلى البرتغال.
– EuroVelo 6 (طريق الأنهار): يتبع مجاري اللوار والراين والدانوب إلى البحر الأسود.
– EuroVelo 13(طريق الستار الحديدي): يحول حدود الحرب الباردة إلى ممر استكشافي يصل لتركيا واليونان.
تستمر الشبكة في التوسع؛ ففي 2023 أعلن ECF عن إطلاق EuroVelo 16 (طريق الدراجات الإيبيري) البالغ 1,900 كم، والذي سيربط لشبونة ببامبلونا عبر ألينتيخو وطليطلة ومدريد، مستهدفاً الاكتمال بحلول 2028.
في السياق، تزداد شعبية طرق أخرى مثل طريق الخليج للدراجات الهوائية(130 كم بين والني في بارو إن فورنس وجلاسون دوك في لانكستر)، الذي يجتذب 3 ملايين راكب سنوياً وفق مؤسسيه (شراكة خليج موريكامب).
استجابةً لهذا التوجه، بدأت الحكومات الأوروبية بدعم القطاع:
– في فبراير 2023، أعلنت المملكة المتحدة عن استثمار بقيمة 355 مليون يورو لتحسين بنى المشي والدراجات في إنجلترا، يشمل بناء 300 ميل من الطرق الجديدة وتدريب آلاف الطلاب مجاناً.
في مانشستر، تسعى السلطات لبناء شبكة متكاملة “شبكة بي” تشمل مسارات للدراجات والمشي والحافلات والترام. وقال عمدة المدينة، أندي بورنهام:”الخطة تستهدف ربط 95% من السكان بممرات نشطة عالية الجودة ضمن مسافة 400 متر من منازلهم.”