مصر 6 يوليو ـــــــ كتبت: سارة هليل
في إنجاز أثري جديد يُضاف إلى رصيد مصر التاريخي، أعلنت البعثة المصرية الإيطالية المشتركة بين المجلس الأعلى للآثار وجامعة ميلانو عن اكتشاف مجموعة مبهرة من المقابر الصخرية المنحوتة تعود إلى العصرين اليوناني والروماني، وذلك في منطقة الجبانة الواقعة بجوار ضريح الآغاخان غرب مدينة أسوان.
وتميّز هذا الكشف اللافت بـ المقبرة رقم (38)، التي وُصفت بأنها من أكثر المقابر تميزًا من حيث التصميم المعماري والحالة البنائية. وتقع على عمق يزيد عن مترين أسفل سطح الأرض، وتُوصل عبر سلم حجري يتكوّن من تسع درجات تحيط بها مصاطب من الطوب اللبن كانت تُستخدم لوضع القرابين.
تصميم مهيب وتفاصيل دقيقة
تضم المقبرة تابوتًا ضخمًا من الحجر الجيري يبلغ ارتفاعه قرابة مترين، مثبتًا على منصة صخرية داخل الجبل، ويعلوه غطاء مصمم على شكل بشري يتميز بملامح وجه دقيقة مزينة بباروكة وزخارف متقنة. كما تحتوي المقبرة على نقوش هيروغليفية محفوظة بحالة ممتازة، تشمل أدعية دينية واسم صاحب المقبرة “كا-مسيو”، وهو أحد كبار الشخصيات في تلك الحقبة، بالإضافة إلى أسماء أفراد من أسرته.
رؤية أعمق لحياة المجتمع القديم
الكشف شمل أيضًا مومياوات لأطفال، ما يضفي بُعدًا إنسانيًا واجتماعيًا على الموقع، ويعزز من قيمته كمصدر غني لفهم طبقات المجتمع في أسوان خلال العصور البطلمية والرومانية. ووفقًا للعلماء، فإن هذا الموقع يعكس استخدامًا متواصلًا لأغراض الدفن بين الطبقات العليا من المجتمع التي اختارت الهضاب والطبقة المتوسطة التي اتخذت سفوح الجبال موطنًا لمقابرها.
وستخضع المومياوات، بما فيها مومياوات الأطفال، لفحوصات دقيقة باستخدام الأشعة المقطعية والتحاليل البيولوجية خلال موسم الخريف، لتوفير مزيد من المعلومات حول الأعمار، الحالة الصحية، وأسباب الوفاة.
مقابر النخبة وإعادة الاستخدام
تشير البيانات إلى أن الهضاب العليا للموقع احتضنت مقابر واسعة تعود للعصر البطلمي، والتي خُصصت لعائلات النخبة، ثم أعيد استخدامها لاحقًا خلال العصر الروماني. وسبق أن اكتشفت البعثة عدة مصاطب ومقابر أخرى منحوتة في جبال سيدي عثمان، تعكس طرازًا معماريًا فريدًا يُظهر التفاعل بين الإنسان والطبيعة الصخرية للمنطقة.
موقع أثري يتحدث عن نفسه
تواصل البعثة أعمالها في الموقع منذ عام 2019، تحت إشراف الدكتورة باتريتسيا بياشنتيني من جامعة ميلانو، وبقيادة فهمي الأمين، مدير عام آثار أسوان، حيث يسهم هذا الجهد المشترك في تأكيد مكانة الجبانة كموقع أثري فريد يُسلّط الضوء على التنوع الثقافي والديني جنوب مصر.
ويمثل هذا الاكتشاف إضافة بارزة إلى الخريطة الأثرية في أسوان، ويدعم رؤية مصر في إبراز ثرائها الحضاري، وفتح آفاق جديدة للبحث العلمي والتوثيق التاريخي.