الفنان تيسير إدريس العلامة الكبيرة في الدراما العربية :”كنت أصنع من الحكاية عالمًا ومن الكلمة مشهدًا حيًا”

admin
admin 29 Views
14 Min Read

 

تيسير إدريس :”شعرت بالغضب من النهاية وكأنني أواجه شخصًا حقيقيًا لا مجرد دور”..

أجرت الحوار :الإعلامية بشرى بوجمعة

في عالمٍ يموجُ بالتغييرات، ويبقى فيه الفن هو الذاكرة الحية والشاهد الأصدق على قضايا الإنسان، يبرز اسم تيسير إدريس كحكاية مختلفة، حكاية تشبه الحلم الفلسطيني الذي لا ينكسر.فنان لم يختر الدروب السهلة، بل مضى بخطاه الواثقة في درب محفوفٍ بالتحديات، ليحمل صوته قضايا شعبه، ويرسم بأدائه ملامح وطنٍ في وجداننا جميعًا.

 

تيسير إدريس ليس مجرد ممثل عابر، بل هو بصمة فنية وإنسانية كاملة . صوته دفء القضية، وعيناه مرآة الحلم، وأدواره قصائد صادقة نُقشت في قلوب الجماهير.اليوم، لا نحاور فنانًا فحسب، بل نفتح صفحات حياةٍ مليئة بالشغف، ، بالإبداع…نقترب من روحٍ آمنت أن الفن الحقيقي لا يشيخ، بل يزداد شبابًا كلما صدق مع نفسه ومع مجتمعه.

 

دعونا معًا نكتشف الوجه الآخر للفنان، الإنسان، الحامل للرسالة بالكلمة، بالصورة، وبالصمت حين يكون الصمت أبلغ من الكلام…

 

 

في البداية، كيف تلخص لنا رحلتك الفنية بمحطاتها المختلفة؟ وما الذي صاغ شخصية تيسير إدريس كما نعرفها اليوم؟

منذ طفولتي، كانت رحلتي مع الإبداع تنسج خيوطها بهدوء وعمق في زوايا مدارس الوكالة، من الصفوف الابتدائية، مرورًا بالمرحلة الثانوية، وصولًا إلى الجامعة. لم تكن القراءة مجرد هواية أقضي بها وقتي، بل كانت نافذتي الأولى للعالم، وشغفي الأول الذي كبر معي. كنت أغوص في القصص والروايات العالمية، وأتأمل عبَق الملاحم الشعبية، فأسردها بطريقتي، وأحياها، ثم أعيد سردها لزملائي في الصف بروح مختلفة، جعلت المعلمين يتوقفون كثيرًا أمام أسلوبي، متسائلين بدهشة: من أين تأتي بهذه القدرة؟

 

كنت أصنع من الحكاية عالمًا، ومن الكلمة مشهدًا حيًا، وكأنني أمثّلها بصوتي وإحساسي. نعم، فقد كان لصوتي وقع خاص، فاختاروني لإلقاء القصص، وتقديم الروايات، وحتى تلاوة القرآن الكريم في المناسبات المدرسية. كل تلك اللحظات الصغيرة، كانت بذورًا لحلمي الإعلامي الذي نما بداخلي بصمت، ورافقني طيلة طريقي.

 

لم يكن ذلك الشغف منفصلًا عن هويتي الوطنية، بل على العكس، منذ البدايات حملت في داخلي شعورًا عميقًا بالوطن، ورغبة في التعبير عن قضيتي الفلسطينية العزيزة على قلبي. كنت أبحث عن طريقة أُوصل بها صوتي، فكانت محطتي الأولى دورة تدريبية مع أستاذي الراحل يوسف حنا، رحمه الله، الذي كان أكثر من مجرد مدرب… كان عرّابي الحقيقي في عالم الفن. هو من آمن بي، وأمسك بيدي، وأصرّ أن الفن لا يكون فنًا دون ثقافة ووعي.

 

وبكلماته التي لم أنسها، قررت أن أكمل طريقي العلمي، حصلت على شهادة البكالوريس والتحقت بجامعة دمشق – كلية الآداب، قسم الجغرافيا. وهناك، بدأت الصورة تتضح أكثر، فاندمجت في العمل الفني، وشاركت في أنشطة ثقافية من خلال المركز الثقافي أبو رمانة في دمشق، ثم انضممت لاتحاد الطلبة الوطني، حيث كانت لي تجارب رائعة مع قامات أكاديمية كبيرة مثل الدكتورة نائلة الأطرش والدكتور فواز ساجر.

 

أما البداية الفعلية، التي لا أنساها، فكانت من خلال مسرحية توباز التي أخرجها أستاذي يوسف حنا – رحمه الله. في تلك اللحظة، شعرت أنني أنتمي لهذا العالم. كان هو من غرس في روحي حب الفن، وهو من فتح لي الأبواب، وأعطاني الثقة كي أبدأ أولى خطواتي على المسرح. ومن هناك، بدأت الحكاية.

 

عندما قرأت نص شخصية العجان في مسلسل تحت سابع أرض ، ما الذي جذبك لأداء هذا الدور بالتحديد؟

 

في الحقيقة، ما جذبني إلى هذه الشخصية لم يكن فقط قوتها أو غرابتها، بل كانت هناك تفاصيل أعمق استوقفتني. شخصية العجّان تحمل في طياتها أبعادًا نفسية وسلوكية معقّدة، بدءًا من طريقته في الكلام، مرورًا بتعابيره وردود فعله، وصولًا إلى حضوره اللافت في المشاهد.

 

قمت بالبحث والتعمق في خلفية الشخصية: كيف نشأ، من هو والده، كيف كانت علاقته بوالدته، ولماذا يتصرف بهذا الشكل. أردت أن أفهمه من الداخل، لا أن أؤديه فقط من الخارج. اجتهدت كثيرًا في التحضير لهذا الدور، وفكرت طويلًا في كل تفصيلة صغيرة لأتمكن من تقديمه بصورة صادقة وقريبة من الواقع. والحمد لله، أعتقد أن هذا الجهد قد انعكس في الأداء الذي شاهدتموه.

 

 

شخصية العجان بدت قريبة جدًا من قلوب الناس… كيف استطعت أن تمنحها هذا العمق الإنساني والبساطة معًا؟
في الواقع، شخصية العجّان تُعد شخصية شريرة بكل وضوح، بل ويمكن القول إنها أقرب إلى تركيبة المافيا. لكن ما كان لافتًا بالنسبة لي هو ردّة فعل الجمهور.

 

 

هناك ممثلون يتقمصون الشخصية لدرجة أن المتلقي ينسى تمامًا الممثل الحقيقي خلفها، وهذا ما حدث مع شخصية الأم أيضًا. فالجمهور العربي، بطبعه العاطفي، يربط بين الشخصية والممثل، ويتفاعل مع ما يراه على الشاشة بوصفه حقيقة.

 

كنت مندهشًا فعلاً من مدى تعلّق الناس بهذه الشخصية، رغم قسوتها ووحشيتها. أحبّوها بطريقة غريبة، وتفاعلوا معها بشكل غير متوقع. حتى عند موت الشخصية، لاحظت أن كثيرين حزنوا وتأثّروا، بل تمنّوا أن تعود ولا تكون قد ماتت فعلاً. هذا التفاعل لم يكن ناتجًا عن عفوية، بل عن جهد كبير في بناء الشخصية داخليًا، بحيث تحمل رغم قسوتها جانبًا إنسانيًا يلامس شيئًا في وجدان المتلقي.

 

 

هل واجهت تحديات خاصة أثناء تأدية شخصية العجان؟ وهل هناك مشهد معين ترك أثرًا خاصًا في نفسك؟

 

بصراحة، كان مشهد وفاة العجّان من أكثر المشاهد التي تركت أثرًا عميقًا في داخلي. شعرت فيه بلحظة صراع حقيقية، ليس فقط على مستوى الشخصية، بل حتى أنا كممثل تأثرت به بشدة. شعرت بالغضب من النهاية… وكأنني أواجه شخصًا حقيقيًا، لا مجرد دور. كيف لشخصية بهذا العمق، وبهذا التاريخ، أن تنتهي بهذه الطريقة؟ أن يُغدر بها على يد أقرب الناس إليها… ابنه.
وهنا يكمن ذكاء الكاتب والمخرج، إذ اختارا أن تكون النهاية على يد الشخص الوحيد القادر على الاقتراب من العجّان، وهو ابنه. هذا ما جعل المشهد أكثر ألمًا وصعوبة بالنسبة لي.

 

لن أنسى هذا المشهد أبدًا، لأنه لم يكن مجرد نهاية درامية عابرة، بل كان نهاية إنسان، حملت في طياتها صدمة وخيانة وحزنًا دفينًا. شعرت فعلًا وكأنني فقدت شخصًا أعرفه حق المعرفة.

 

 

لو طُلب منك أن تصف شخصية العجان بكلمتين فقط، ماذا تقول؟

 

يعني… إذا أردت أن أصف شخصية العجّان بكلمتين، أقول إنه مُحدث نعمة.

 

 

في مسلسل أولاد بديعة، قدمت شخصية مختلفة تمامًا… كيف تتهيأ عادةً للتنقل بين شخصيات متباينة بهذا الشكل؟

 

شخصية أبو الوفا في أولاد بديعة تختلف تمامًا عن شخصية العجّان في مسلسل تحت سابع أرض وهذا يعود إلى علاقة الممثل بذاته، بمعرفته، بثقافته، ووعيه، وفهمه لطبيعة التمثيل.من وجهة نظري، لا ينبغي على الممثل أن يكون نمطياً أو متكرّرًا. عليه دائمًا أن يُجري مراجعة حقيقية لكل شخصية، وأن يعرف ما الذي تريده منه، كيف تفكّر، وكيف ترى العالم من حولها.

 

لكل شخصية خصوصيتها، ولذلك يجب على الممثل أن يبحث فيها كثيرًا، وأن يقترب منها ليقدّمها بشكل صادق يصل إلى المتلقي. والأهم من ذلك، أن يحب الشخصية وينبهر بها… لأن هذا الحب، وهذا الشغف، هو ما ينتقل تلقائيًا إلى الجمهور.

 

 

في غدًا نلتقي، حملت شخصيتك رسائل إنسانية عميقة… كيف تعاملت مع الدور لضمان وصول هذه الرسائل إلى قلوب الجمهور بصدق؟

 

في هذا المسلسل الرائع، الذي أخرجه الأستاذ رامي حنّا، وشارك في كتابته إلى جانب الأستاذ إياد أبو الشامات، كانت الشخصية التي قدمتها شخصية غريبة ومركبة في الوقت ذاته.هي شخصية تتحدث عن واقع الفلسطيني خلال أحداث لبنان، وعن وضع منظمة التحرير والفدائيين في تلك المرحلة الصعبة هناك. ولهذا النوع من الأدوار، لا يكفي الأداء فقط، بل يحتاج الممثل أن يكون لديه خلفية معرفية حقيقية بما كان يجري في لبنان آنذاك، حتى يتمكن من تقديم الدور بعمق ووعي.
شخصيًا، أحببت هذا الدور كثيراً، وكان بالنسبة لي تجربة مميزة. قدّمته بصدق، وحاولت أن أنقل إحساس الشخصية وما تمثّله من رسائل إنسانية وسياسية بشكل يصل إلى قلب المشاهد دون تصنّع أو مبالغة.

 

 

عندما تؤدي شخصية مركبة مثل شخصيتك في غدًا نلتقي، هل تشعر أن هناك تحديًا أكبر يدفعك لإخراج أفضل ما لديك؟

 

التحدي في التمثيل لا يقتصر على الشخصية بحد ذاتها، بل هو في جوهره شغف الممثل في تقديم أفضل ما لديه للناس. من وجهة نظري، هذا الأمر يرتبط بالموهبة التي يهبها الله للإنسان، وبمحبة الناس للفنان.

 

الممثل الحقيقي، لا بدّ أن يبحث، ويتعب، ويجتهد… لا ينام مطمئنًا وهو ما زال لم يمسك بتفاصيل الشخصية. عليه أن يردّد كلمات الدور، أن يعايش الشخصية ليلًا ونهارًا، أن يحملها معه أينما ذهب.هكذا فقط، عندما يقف أمام الكاميرا، يكون قد تشبّع بها، واحتضنها بالكامل، ليقدّمها بصدق وتأثير حقيقي.

 

بالحديث عن مسلسل فتح الأندلس… كيف كان شعورك وأنت تجسد الشخصية ضمن عمل تاريخي ضخم ومليء بالتفاصيل؟

 

شاركت في مسلسل فتح الأندلس الذي كتبه الدكتور محمد اليساري وأخرجه الأستاذ محمد العنيزي، وقد جسّدت شخصية لودريق، وهي من الشخصيات البارزة والمثيرة للجدل في تاريخ الأندلس. كان ملكًا عليها، وجمع كل قواها في محاولة لحمايتها من دخول طارق بن زياد والفتح الإسلامي في تلك المرحلة.

 

هذه الشخصية تحتاج لممثل فعلاً متمكن، قادر على تجسيد أبعادها التاريخية والنفسية. ولا أقول ذلك من باب التفاخر، بل لأنني أحب الأعمال التاريخية بصدق، بل وأعشقها. العمل التاريخي يغويني، يشدّني، ويشعل داخلي طاقة مختلفة.وبصراحة، أستمتع جدًا بهذا النوع من الأدوار، لأنها تحمّل الممثل مسؤولية مضاعفة، وتمنحه في الوقت ذاته متعة فريدة لا تُشبه أي نوع آخر من التمثيل.

 

 

هل تتبع أسلوبا خاصًا في التحضير للأعمال التاريخية مقارنة بالأعمال الاجتماعية المعاصرة؟

 

العمل التاريخي له خصوصيته، وكذلك العمل الاجتماعي، لكن في النهاية، الأمر يعود إلى الممثل نفسه… كيف يرى الشخصية وكيف يعمل عليها، سواء كانت تاريخية أو اجتماعية.الممثل الجيد، من وجهة نظري، هو من يملك شغفًا حقيقيًا بفن التمثيل، من يشعر أن التمثيل جزء من حياته، بل بيته… هو الذي يستطيع أن يحلّق ويبدع في أي شخصية تلامس إحساسه.

 

وأنا أرى أن النص في الدراما التلفزيونية عنصر بالغ الأهمية، بل أعتبره العنصر الأهم في العمل. صحيح أن هناك تكاملًا بين المخرج والمؤلف والممثل، لكن النص هو الأساس، لأنه يحمل جوهر الحكاية، ويمنح الجميع أرضية صلبة للبناء عليها.وهذا، طبعًا، رأيي الشخصي.

 

من خلال تجربتك الطويلة، كيف ترى الفرق بين أداء الشخصيات الواقعية اليومية مثل العجان، وأداء الشخصيات التاريخية الكبرى؟

في رأيي، لا يوجد فرق كبير في أداء الشخصية التاريخية أو الاجتماعية. كما قلت سابقًا، الأمر كله يرتبط بقوة الممثل، وفهمه العميق لما يقدمه، سواء كانت الشخصية تنتمي إلى زمنٍ تاريخي أو إلى واقع يومي نعيشه.

 

المسألة ليست في نوع الشخصية بقدر ما هي في وعي الممثل، ومدى بحثه وتحضيره للدور. لا بد أن يكون لدى الممثل موضوع، أي عمق داخلي يشتغل عليه، يستند إليه، وينطلق منه ليقدم الشخصية بصدق واحتراف.

 

 

بين هذه المسلسلات “تحت سابع أرض – أولاد بديعة – غدًا نلتقي – فتح الأندلس”، أي عمل تعتبره محطة فارقة في مسيرتك الفنية، ولماذا؟

 

في رأيي، جميع الأعمال التي قدّمتها مؤخرًا: تحت سابع أرض – أولاد بديعة – غدًا نلتقي – فتح الأندلس، أعتبرها جميعاً مثل أولادي… أحبها بنفس القدر، وأشعر بالوفاء تجاه كل شخصية قدمتها.

 

لكن لا أنكر أن شخصية العجان في مسلسل تحت سابع أرض كانت لها فرصة أكبر للنجاح، لأنها جاءت في إطار مشروع ضخم، قُدّم عبر أغلب المنصات المهمة، مثل شاهد وMBC، كما أُتيحت له عناصر نجاح قوية: مخرج متميز، كاتب رائع، ونخبة من النجوم، وعلى رأسهم الفنان الكبير تيم حسن. كل هذه الظروف دعمت الشخصية ودفعتها للظهور بهذا الشكل اللافت.

 

 

لو أتيحت لك الفرصة اليوم للقاء تيسير إدريس الفنان الشاب في بداياته، ماذا كنت ستقول له؟

 

كنت سأقول له: “لقد ظلمك الفن كثيراً يا تيسير، ولو لم يظلمك، لكنت اليوم من كبار النجوم.”

 

شكرًا جزيلًا لهذا اللقاء الشيق .

بهذا الحديث الصادق، نكون قد اقتربنا أكثر من ملامح الفنان والإنسان تيسير إدريس، الذي استطاع أن يحول الفن إلى رسالة نابضة بالحياة.رحلة غنية بالتجارب والمواقف، حمل فيها قضاياه، ومضى بشغف لا ينطفئ.شكرًا لك أستاذ تيسير على هذا اللقاء الجميل، وعلى كل لحظة صدق أضأتها في قلوبنا عبر أعمالك.ونتمنى لك المزيد من التألق والإبداع الذي يليق بك وبمسيرتك الثرية.

Share this Article
Leave a comment