كتبت: سارة هليل
في قلب العاصمة المقدسة مكة المكرمة، حيث تنبض الأرواح بالسكينة وتتعطر الأجواء بنفحات الإيمان، يبرز “المتحف الدولي للسيرة النبوية والحضارة الإسلامية” كأحد أبرز المعالم الثقافية والروحية التي لا يمكن للحاج تجاوزها دون الوقوف عندها.
هذا المعلم الفريد، الذي تشرف عليه رابطة العالم الإسلامي، يشكل نقطة التقاء بين المعرفة والإيمان، ويمنح الزائرين تجربة متعددة الأبعاد تدمج بين التعلم والتأمل الروحي.
ويقع المتحف في موقع استراتيجي داخل الطابق الثاني من أبراج الساعة الشهيرة، ليكون في متناول ضيوف الرحمن، ويأخذهم عبر أكثر من ثلاثين جناحًا معرفيًّا تم تصميمها بعناية لتغوص في تفاصيل السيرة النبوية العطرة والحضارة الإسلامية العريقة.
يعتمد المتحف على أكثر من 200 عرض تفاعلي مذهل، يُقدَّم بسبع لغات مختلفة، ليتحدث إلى الزوار بلغتهم الأم ويقربهم أكثر من سيرة النبي محمد ﷺ بأسلوب معاصر وتقنيات متطورة.
تجربة المتحف لا تكتفي بتقديم المعلومة، بل تأخذ الزائر في رحلة زمانية تحاكي مراحل حياة النبي ﷺ، منذ ولادته وحتى وفاته، مرورًا بمحطات إنسانية دقيقة تُعرض في مجسمات واقعية ومؤثرات بصرية، تجسد شخصيته، وملامح حياته، من طعامه ولباسه إلى أخلاقه وتعاملاته، في مشهد علمي وإنساني متكامل.
ومن أبرز الأجنحة التي تجذب الزوار جناح “النبي الإنسان”، والعرض البانورامي للحجرة النبوية الشريفة، حيث تتداخل المشاعر الروحية مع الصور الذهنية في تجربة لا تشبه سواها.
كما يحظى الزوار بجولات معرفية تقودها نخبة من المرشدين المتخصصين في السيرة النبوية والعلوم الإسلامية، ما يجعل من الزيارة فرصة فريدة للتعلم والتدبر.
ولا يمكن اختزال هذه التجربة بكلمة “زيارة”، إذ تتجاوز ذلك لتكون امتدادًا وجدانيًّا لرحلة الحج، وكأن الحاج يُكمل مسيرته الروحية هنا، حين يتأمل في حياة النبي ويستحضر مواقف عاشها ليهتدي بها.
ويواصل المتحف استقطاب الزوار من شتى أنحاء العالم، من الحجاج والمهتمين بالتاريخ والهوية الإسلامية، ليصبح علامة مضيئة ومركزًا ثقافيًا نابضًا في موسم الحج، يثري تجربة الزائر ويخلد في ذاكرته كأحد أكثر المحطات الروحية تأثيرًا وإلهامًا.